كتاب حرب الفضاء الالكتروني تأليف ريتشارد كلارك

 



كتاب حرب الفضاء الالكتروني 
تأليف ريتشارد كلارك 


يشير مصطلح "حرب الفضاء الإلكتروني"، إلى الإجراءات التي تتخذها أي دولة لاختراق شبكة دولة أخرى اختراقاً غير مصرح به، أو أي نشاط آخر يؤثر على نظام حاسوبي؛ بغرض إضافة أو تغيير أو تزييف البيانات، أو التسبب في تعطيل جهاز حاسوب أو إتلافه، أو تعطيل أو إتلاف جهاز متصل بشبكة أو شلّ الأشياء التي يتحكم فيها نظام الحاسوب.
وثمة كثير من أمثلة حرب الفضاء الإلكتروني التي وقعت في السنوات الأخيرة، وأبرزها "سيطرة" إسرائيل على ردارات منظومة الدفاع الجوي السورية الحديثة في سبتمبر 2007، ما أتاح للطائرات الإسرائيلية قصف موقع في دير الزور بشرق سوريا، ادعت إسرائيل أنه منشأة نووية. وكل هذه الأمثلة تؤكد أن الصراع بين الدول القومية عن طريق العدوان الإلكتروني قد بدأ. ولكن بخلاف هذه الملاحظة التي لا شك فيها، يمكن الإشارة إلى خمسة أمور مهمة فيما يخص حرب الفضاء الإلكتروني:
أولاً، أن حرب الفضاء الإلكتروني حقيقة واقعة، وأن ما شهدناه حتى الآن لا يقارن بما يمكن أن يحدث. فمعظم المناوشات المعروفة في الفضاء الإلكتروني تستخدم أسلحة إلكترونية بدائية (باستثناء وحيد ملحوظ وهو العملية الإسرائيلية المشار إليها آنفاً). ومن المنطقي أن نخمّن أن المهاجمين لا يريدون الكشف عن قدراتهم المتطورة حتى الآن. ويلاحظ أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى قادرة على أن تشن من حروب الفضاء الإلكتروني ما يدمر غيرها من الدول الحديثة.
ثانياً، أن حرب الفضاء الإلكتروني تحدث بسرعة الضوء، فعندما تتدفق فوتونات الحزم المهاجمة عبر كابل الألياف الضوئية فإن الوقت المستغرق بين شن الهجمة وتأثيرها يكاد يتعذر قياسه، مما يخلق المخاطر أمام صنّاع القرار في أثناء الأزمات.
ثالثاً، أن حرب الفضاء الإلكتروني حرب عالمية الطابع، وفي نطاق أي صراع يستشري العدوان الإلكتروني على مستوى العالم سريعاً؛ لأن أجهزة الحاسوب والأجهزة الخادمة المخترقة خفية أو التي تم السيطرة عليها في شتى أنحاء العالم سرعان ما تنضم إلى الهجمة، فتنجرّ بلاد كثيرة إلى الصراع سريعاً.
رابعاً، أن حرب الفضاء الإلكتروني لا تحتاج إلى ساحات المعارك التقليدية؛ فالأنظمة المختلفة التي يعتمد عليها الناس - من المصارف إلى رادارات الدفاع الجوي - يمكن الوصول إليها عبر الفضاء الإلكتروني والسيطرة عليها سريعاً أو تعطيلها دون الحاجة إلى دحر الدفاعات التقليدية للدول.
خامساً، لقد بدأ عصر حرب الفضاء الإلكتروني، وصارت الدول تتحسب من وقوع الهجمات الإلكترونية فبدأت "تعد ساحة المعركة"، وذلك بأن يحاول كل منها اختراق شبكات الدول الأخرى وبنيتها التحتية لوضع ثغرات التسلل والقنابل المنطقية، وكل هذا يتم الآن في وقت السلم. وهذا الطابع المتواصل لحرب الفضاء الإلكتروني الذي يطمس الحدود الفاصلة بين السلم والحرب يخلق بُعداً جديداً وخطيراً في حالة انعدام الاستقرار.
إن معظم الحروب الفعلية التقليدية في المستقبل ستصاحبها حروب فضاء إلكتروني، وستكون هناك حروب فضاء إلكترونية أخرى قائمة بذاتها، من دون أي انفجارات أو قوات مشاة أو قوات جوية أو بحرية. وإن عدم إمكانية التنبؤ المرتبطة بحرب الفضاء الإلكتروني الشاملة يعني أن ثمة احتمالاً قوياً بأن صراعاً كهذا يمكن أن يغير ميزان القوى العسكرية العالمية، ومن ثم يؤدي إلى تغيير جوهري في العلاقات السياسية والاقتصادية.

في عام 2009 أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة عسكرية جديدة تُعرف بقيادة حرب الفضاء الإلكتروني، تشمل عدة أفرع رئيسية في الجيش، وتتركز مهمتها في استخدام تقنيات المعلومات والإنترنت كسلاح للحرب. وتسيطر على الفكر الأمريكي بشأن موضوع حرب الفضاء الإلكتروني النظرة القائلة بأن الفضاء الإلكتروني "نطاق" أو ساحة تدور فيها رحى الحرب، ويجب أن "تهيمن" عليها الولايات المتحدة. وتعلن الاستراتيجية العسكرية القومية السرية (التي أفرج عن جانب منها بناء على ما نص عليه قانون حرية المعلومات) أن هدفها هو «ضمان التفوق الاستراتيجي للجيش الأمريكي في نطاق الفضاء الإلكتروني». هذا التفوق مطلوب لضمان «حرية التحرك» للجيش الأمريكي و«حرمان أعدائنا من هذه الحرية». وتقول الوثيقة: إن الولايات المتحدة إذا أرادت أن تحرز هذا التفوق فعليها أن تبادر بالهجوم: «القدرات الهجومية في الفضاء الإلكتروني [مطلوبة] لتحقيق المبادرة والحفاظ عليها».
ولكن في ثنايا هذه الوثيقة يكمن تقييم واقعي للمشكلات التي تواجه الولايات المتحدة في مجال حرب الفضاء الإلكتروني؛ لأن «عوامل التهديد يمكن أن تستغل اعتمادنا» على الفضاء الإلكتروني، ولأنه «ما لم يتم بذل جهود ضخمة، فلن تظل الولايات المتحدة متمتعة بمزية في مجال الفضاء الإلكتروني».

والواقع أن دولاً عدة في العالم أخذت تركز على تطوير قدرات حرب الفضاء الإلكتروني، ومن أبرز هذه الدول روسيا التي يعتبرها مسؤولو الاستخبارات الأمريكية التهديد الأكبر للولايات المتحدة في مجال الفضاء الإلكتروني، وكذلك الصين التي يعد تطورها في مجال حرب الفضاء الإلكتروني جلياً إلى حد كبير. ومن الدول الأخرى المعروف أن لديها وحدات ماهرة لحرب الفضاء الإلكتروني إسرائيل وفرنسا. ويرى مسؤولو الاستخبارات الأمريكية أن هناك ما يتراوح بين عشرين وثلاثين جيشاً في العالم لديه قدرات يعتد بها في مجال حرب الفضاء الإلكتروني؛ مثل تايوان وإيران وأستراليا وكوريا الجنوبية والهند وباكستان والعديد من بلدان حلف شمال الأطلسي (الناتو). فكما قال المدير السابق للاستخبارات الوطنية الأدميرال مايك ماكونيل: «الغالبية العظمى من الدول الصناعية في عالم اليوم لديها قدرات هجومية في نطاق الفضاء الإلكتروني».


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-