تاريخ دولة الأدارسة

 تاريخ دولة الأدارسة



الأدارسة كأسرة حاكمة أي كدولة. وجودها يقترن بالفترة 172 – 375هـ / 788 – 990م. لكن لابد من التمييز داخل هاته الفترة بين أطوار مختلفة:

1. طور التأسيس الذي اقترن بعهد إدريس الأول (172 – 177 هـ/ 788 -- 793م) أي قيام الدولة بالتفاف فريق مهم من سكان المغرب حول إدريس تضمهم قبائل أمازيغية كبرى ومبايعتهم له، حسب التقاليد الإسلامية.

2. طور الهيكلة والتنظيم ويقترن بعهد إدريس الثاني (177– 213هـ/ 793 -- 828م) حيث جرى تدعيم الدولة الناشئة باستحداث عدد من البنيات والمؤسسات كان من أهمها: بناء فاس واتخاذها كعاصمة للدولة؛ واتخاذ بعض النظم الإسلامية كالوزارة والكتابة والقضاء والإمامة؛ وتجريد العاصمة الجديدة من تأثير العصبيات والطابع القبلي، وذلك باحتضانها لفئات مهمة من السكان الوافدين من القيروان والأندلس، مما جعل العناصر المختلفة من سكان المدينة تنصهر في وحدة بشرية تمثل، بوجه عام، التركيب السكاني الجديد الذي بدأ يعم الغرب الإسلامي انطلاقا من عهد الفتح. إضافة إلى بداية إشعاع اللغة العربية من فاس كلغة دين وثقافة، ونمو رقعة المملكة بحيث أصبحت أهم كيان سياسي بالمغرب الأقصى وكان لها اتصال مباشر بسائر النواحي في البلاد.


3. طور التقسيم: ترك إدريس الثاني غداة وفاته عدة أولاد منهم الكبار والصغار. وتولى خلافته أكبر أبنائه، محمد، إلا أنه اعتبر المملكة التي تركها له أبوه إرثا لا بد من توزيعه على الورثة. وكان للتقسيم سلبيات وإيجابيات، فتقسيم المملكة إلى عدة ولايات أدى إلى إضعاف السلطة المركزية ونشوء إمارات إقليمية تنزع بطبيعتها إلى الاستقلال الذاتي على أوسع مدى. وقبل إعطاء مثال على المشاكل التي ترتبت عن ذلك التوزيع، من الضروري إعطاء صورة إجمالية عن التوزيع.


قسم محمد بن إدريس المملكة إلى ما لا يقل عن تسع ولايات، نذكرها الآن، منبهين إلى وجود اختلافات طفيفة بين المصادر التي تناولت الموضوع.


محمد بن إدريس: فاس وناحيتها.

القاسم بن إدريس: طنجة وسبتة وقلعة حجر النسر وتطوان وبلاد مصمودة وما والاها.

داود بن إدريس: هوارة وتسول ومكناس وجبال غياثة وتازة.

عيسى بن إدريس: شالة وسلا وأزمور وتامسنا.

يحيى بن إدريس: البصرة وأصيلا والعرائش إلى بلاد ورغة.

عمر بن إدريس: مدينة الليكسوس ومدينة ترغة وبلاد صنهاجة وغمارة.

أحمد بن إدريس: مدينة مكناسة وبلاد فازاز ومدينة تادلا.

عبد الله بن إدريس: أغمات وبلاد نفيس وبلاد المصامدة وسوس.

حمزة بن إدريس: تلمسان وأعمالها.

تلك هي الولايات التسع التي تدل على مدى امتداد الدولة الإدريسية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وهي معلومات تؤكدها كل المصادر التاريخية كما تؤكدها الأبحاث الخاصة بتاريخ النقود الإدريسية.


والجدير بالذكر هو حصول نوع من الاستقرار السياسي داخل الإمارات الإدريسية المنتشرة بأنحاء المغرب. فلم تسجل ثورات للسكان ولا معارضة للقبائل. هل يرجع ذلك إلى التقديس الذي حظيت به الأسرة في أعين المغاربة المعاصرين أم إلى أسباب أخرى؟


الملاحظ هو اندماج الأسرة الإدريسية في المجتمع المغربي عن طريق المصاهرة والتطبع بأخلاق أهل البلاد مما جعل السكان في مختلف الأقاليم لا يتعاملون معهم كأجانب ودخلاء، بل يعتبرونهم منهم ويحترمونهم ويضعونهم في الصدارة لشرف نسبهم. ويمكننا أن نعتبر أن احترام الشرفاء كسلوك شعبي بدأ منذ ذلك العهد يتحول إلى مبدأ سياسي بعد ذلك بعدة قرون. ومع تكون عدة إمارات إدريسية، يصبح تاريخ الأدارسة متشعبا. وسنقتصر هنا على ذكر أهم الأحداث والأشخاص.


استمر حكم الدولة الإدريسية حوالي 130 سنة بفاس ومر تطورها بثلاث مراحل:


مرحلة التأسيس: دامت 41 سنة ابتدأت مع إدريس الأول وإنتهت بوفاة إدريس الثاني سنة 829م.

مرحلة القوة: دامت 30 سنة حكم خلالها 3 ملوك محمد بن إدريس، علي بن محمد، يحيى بن محمد.

مرحلة التدهور والسقوط: دامت 59 سنة حكم خلالها 3 ملوك علي بن عمر، يحيى الثالث، يحيى الرابع.

وتمكن الأدارسة في مرحلة التأسيس والقوة من توحيد البلاد وإخضاع مجموعة من القبائل، فإمتدت الدولة الإدريسية من سوس الأقصى جنوبا إلى الريف شمالا وما وراء تلمسان شرقا.


ظلت فاس هي الحاضرة المركزية للدولة وتولى فيها عدد من الأمراء نذكرهم بالتتابع:


أ. علي بن محمد بن إدريس: تذكر المصادر أنه سار بسيرة أبيه وجده وأن أيامه كانت أيام سلام ورخاء.


ب. يحيى بن محمد بن ادريس: أخو السابق في أيامه كثرت العمارة بفاس وتوافد إليها المهاجرون من جميع جهات الغرب الإسلامي، مما دعا إلى توسيع المدينة والبناء في أرباضها. وفي عهده بني المسجدان المشهوران: جامع الأندلسيين وجامع القرويين.


ج. يحيى بن يحيى بن محمد: في عهده حدثت أزمة بسبب سوء سيرته. وثار عليه عبد الرحمن بن أبي سهل الجذامي واستولى على عدوة القرويين، ومات يحيى في تلك الأثناء وجاء صهره علي بن عمر فاستولى على المدينة وتولى الإمارة. 

د. علي بن عمر بن ادريس: لا تحدد المصادر تاريخ ولايته. بعد فترة من الاستقرار، اصطدم بثورة عبد الرزاق الفهري الخارجي وهزمه واضطر للالتجاء إلى أوربة، بينما دخل عبد الرزاق إلى عدوة الأندلس فاستولى عليها إلا أنه صادف مقاومة من لدن عدوة القرويين التي نادى أهلها على يحيى بن القاسم بن إدريس.


هـ. يحيى بن القاسم بن إدريس: استطاع أن يحافظ على وجود الدولة الإدريسية بفاس حيث طرد عبد الرزاق الخارجي من عدوة الأندلس وخرج لمقاتلة الصفرية. والظاهر أنه قضى عهده في مباشرة الحروب إذ نجده يسقط صريعا في ساحة الوغى وهو يقاتل ربيع بن سليمان سنة 292.


و. يحيى بن إدريس بن عمر: تطنب المصادر في الثناء عليه. فابن خلدون ينعته أنه ´´كان أعلى بني إدريس ملكا´´ بينما يصفه روض القرطاس بقوله: ´´كان يحيى هذا أعلى بني إدريس قدرا وصيتا وأطيبهم ذكرا وأقواهم سلطانا (...) وكان فقيها حافظا للحديث ذا فصاحة وبيان ولسان ومع ذلك كان بطلا شجاعا حازما".


إلا أن المصادر لا تذكر شينا عن أعماله، وذلك، ولا شك، لأن أحداثا خطيرة جاءت لتهدد الدولة الإدريسية في وجودها.


بالرغم من التدهور الذي حصل للأدارسة طوال أزيد من قرن، يمكن القول أنهم قاموا بدور أساسي في تاريخ المغرب :


1. على أيديهم تم تحويل المغرب، بصورة فعالة إلى عهد الإسلام الذي عملوا على نشره في أنحاء مختلفة من البلاد.

2. بمبادرتهم جرت أول محاولة لتجاوز القبلية وذلك بتأسيس دولة على النمط الإسلامي لها حاضرتها فاس. فكان عملهم أول انطلاقة فعلية للدولة المغربية في التاريخ.

3. مجهودهم على المستوى العمراني باستحداث مدن جديدة أو إنعاش القديمة مع تنشيط الحركة التجارية وإنشاء عدد مهم من دور السكة في جهات مختلفة من المغرب.

_________

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-