قراءة وتحميل كتاب التنمية المستديمة من منظور جغرافي |الاستاذ الدكتور عبد الزهرة علي الجنابي

 

قراءة وتحميل كتاب التنمية المستديمة من منظور جغرافي |الاستاذ الدكتور عبد الزهرة علي الجنابي

 

الأستاذ الدكتور

عبد الزهرة علي الجنابي 

أستاذ الجغرافيا والدراسات الاقتصادية

كلية التربية للعلوم الإنسانية- جامعة بابل

العراق


دار الرضوان للنشر والتوزيع - عمان / الأردن

 

الطبعة الأولى


2019م- 1440 ه

عبد الزهرة الجنابي


             

 

المقدمة

بسم الله وبه نستعين

        بعد أن تلقّى كتابينا السابقين : الجغرافيا الصناعية والجغرافيا العامة نصيباً حسناً من الثناء من لدن قرائنا الأعزاء, شحذنا الهمّة قصد شعلةٍ وضاءةٍ جديدة للدارسين والباحثين . وفي زحام البحث بين منابع الفكر عن محطة عطشى للأديم , أو ركن معرفة مستحدث حيث حافاتٍ تتلاقى فيها العلوم , هنا كان الوقوف وبعون الحكيم عند باب لغد عظيم , ذاك هو النماء المستديم .

     لزمن طويل ظلت التنمية رديفة للنمو الاقتصادي وحسب , ثم اكتشف القائمون عليها بعد حين ان مجهوداتها قد أخفقت في الوصول حتى غاياتها , فظلت مساحات شاسعة من حياة الناس ظلماء تشكو العتمة ويعتريها البؤس والحرمان , فيما أفضى النماء صناعةً وظفراً وسكانياً الى فســــــــــاد في البيئة والمياه , والأرض و النبت, وازداد الناس فقراً والمياه كدراً , فيما تجلى التمايز بين الطبقات والأقوام والبلدان .

    وفي رحلة البحث عن حل للمعضلات غار الباحثون في الأسباب والعلل , وأفاق العالم على وقع الحقيقة حيث تفيد : إن التنمية لزاماً ان تكون لخدمة الإنسان , وفي تحسين نوع حياته , تلك هي التنمية البشرية حيث الإنسان لها غاية وهو الوسيلة .

   وفي اطار ذات البحث جاءت إضاءات وهاجة من إبداع يراع كثير من فواضل على مستوى المعمورة , أخذتها الأمم المتحدة بالحنو والرعاية , وأفردت لها جهوداً شملت أعمال بحث ولقاءات فكر ووصايا وإقرارات قادة , فكانت ثورة العصر الجديد (التنمية المستديمة أو مستدامة    Sustainable Development) .

    والتنمية مستديمة عادلة , رحومة بالأهل والمكان , بهذا الجيل وقادم الأجيال , متواصلة غير آفلة , يشع عطاؤها مد الخلجان والوديان وعبر الزمان . تنمية لا تنحاز لميدان دون ميدان , وهي مسعى في نشر الأمان , للإنسان والأوطان , صحة وعلم ودخل وزرعٌ وضرع, وصنع من غير دخان , وهي الحل في العصر وفي قادم الأزمان.

  اليها الجهود قد صوبت , ولفهم كنهها اللقاءات قد عقدت , وبرعاية أمميـة  توّجت , فيما نحن عنها غافلون , ولعمق جرحنا غير داركين , فــــــقر وجهل وشقاء , وبطالة وصراع نحو البقاء , وحكامنا فقدوا الرشاد, وقلب ظهر المجن للعباد, وغاب عنا جوهر الدين سلوكاً, وجلّنا ركن لليأس هروباً ,وحالت خلافاتنا دماءاً وحروباً.

    نقف في ثنايا كتابنا عند التنمية المستديمة بإفاضة ودونما عجالة , لبيان المحتوى والأهداف والغايات , ومسالك الوصول لعلنا منها نفيد ولشأن أوطاننا علواً  نزيد . ندرسها تفصيلاً ونحلل ربطها , ونسبر غورها, ونصف لها الأسانيد والوسائل , ونعقل التجارب ونذلل التحديات والمصاعب , ونضع بين أيادي الكرام المصادر والموارد إن شاءوا توسعاً ومقاصد .

     وبثقة نقول ان في الاستدامة جلّ الحلول , واليها المآل يؤول , ونأمل لها فهماً , وفيها تبصراً , ونحوها توجهاً , وعرضنا لها سهلاً ويسراً, محاولين رسم ملامح لطرائق الاستدامة بشراً واقتصاداً وبيئة واجتماعاً.

   لعامة الناس والباحثين والدارسين , للقادة والراعين ... والرؤساء والمرؤوسين ... ونخص بالذكر جمهور التخطيط والمخططين.

        دعوة للإفاقة من السبات , وقصر الأثمان والأوقات , فلقد جدّت الأمم المتحدة بوضع الرؤى , وأنارت المسالك  , وحضّت على حث الخطى , وقدّمت جليل العطا , وأعانت على تخطي العثرات .

      جاء التأكيد في ثنايا الكتاب على ما حسبناه قصداً وباب , ذاك هو بُعد المكان , فهو المنهج والبيان , والحاضر في الحسبان , فمنظور المحتوى كان جغرافياً في المبتغى , قصداً ومعنى , ونأمل فيما نثرنا فلاحاً وهدى .

  ثمة إضافة جوهرية رافقتنا طول المسار واردناها علية وجلية , كانت وضع مؤشرات قياس لكل بعد في الاستدامة , تصلح قبْساً وتطويراً وتحويراً ونحو ذاك , فهي ليست قوانين عصية , بل ثماراً طرية لمن أراد الإفادة والاستزادة .

   وآخر دعوانا أن الحمد لله صاحب الأقدار في الدجى والنهار, الذي مكّن فأنار , وهدى للإيمان والإبصار , ونأمل منه دوماً عوننا على سواء السبيل وصحة الأفكار.

الباب الأول :

التنمية المستديمة والمنهج الجغرافي

          

             الفصل الأول 

            مفهوم التنمية وأبعادها

الباب الأول : التنمية المستديمة والمنهج الجغرافي

الفصل الأول : مفهوم التنمية وأبعادها

1.1. مفهوم التنمية     Development concept

         التنمية في اللغة مصدر أٌشتق من الفعل نما أي زاد , ويعني الزيادة والكثرة ومنه ينمّي ونماءاً, وبهذا فالتنمية هي فعل النماء والعمل على إحداثه (سواء في المال أو غيره)( لسان العرب المجلد 6 ص 4551, القاموس المحيط ص 1230, مختار الصحاح ص 681) .

        أما التنمية اصطلاحاً فهي تغيير الأحوال نحو الأفضل لا بطريقة إرادية بل بوسائل وإجراءات مخطط لها سلفاً,  وبوضعها موضوع التطبيق, (عبد الزهرة 2013 ص 223) وإذ اختلفت رؤى الباحثين في تعريفهم الاصطلاحي للتنمية استنادا لخلفياتهم الفكرية أو ميادين عملهم , فإنهم مجمعون على الاهتمام بتوسيع قدرات الناس ليحيوا حياة يتمنونها أو يرغبون في تحقيقها(علي عبد القادر, ص 24).

        وقد نجد إن من المفيد عرض بعض التعاريف للتنمية بهدف الفهم الأفضل لمحتواها ومنها:-

·      التنمية تعني التغير في بنية الاقتصاد بتعدد قطاعات الإنتاج والخدمات, وزيادة ما بينهما من ترابط (شوقي أحمد ص 23 عن قادري ص 23).

·      التنمية هي التطور البنيوي للمجتمع بقطاعاته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والتنظيمية من اجل توفير الحياة الكريمة لجميع إفراد المجتمع.

·      وتعرّفها هيئة الأمم المتحدة للتنمية بأنها تلك العمليات التي يمكن من خلالها توحيد جهود المواطنين والحكومة, لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية, ولمساعدتها على الاندماج في حيــاة الأمة والمســــــــــاهمة في تقدمهـــــــــا بأقصى قـــــــــدر مستطـــــــــــــــــــــاع( قادري ص 25).

        وقد استخدم مصطلح التنمية للإشارة إلى التقدم الاقتصادي والرفاهية الاقتصادية للدول, وفي حالات أخرى يكون تعبيراً عن التغيير الاجتماعي والاقتصادي (بلمداني, ص 36), ويضيف البنك الدولي صوراً أخرى لهذا التغيير تتضمن دراسة الفقر ومعالجته (World Development Report,2001) . وبهذا فإن التنمية متعددة الإبعاد, فبالإضافة إلى تسريع النمو الاقتصادي فإنها لابد أن تحدث تغييراً في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والحضارية, بل وحتى في عقلية الناس والمجتمعات وطريقة تفكيرهم العلمي وثقافتهم, من خلال تبنيهم لأفكار. وعلاقات جديدة تسهم في التغيير نحو الأفضل وتحقيق قدر أوفر من الرفاهية.

2.1. أهداف التنمية :-

        أقام الفكر الرأسمالي فلسفته وأدواته على ما جاء به آدم سميث من أفكار مفادها حرية الاقتصاد والسماح لعاملي العرض والطلب في تقرير حالة السوق, وقد كانت الثورة الصناعية وما تلاها نتاجاً مادياً لهذه الأفكار , ومع كل ما أُنجز في الدول الرأسمالية من بناء اقتصاديات هائلة وخاصة في الصناعة إلا أنها تعرضت بُعيد الحرب العالمية الأولى ومع الحرب الثانية إلى سلسلة من المشاكل كان من أبرزها اللامساواة والتباين الإقليمي في النشاط والدخل , والكساد الاقتصادي , ولدواعي إصلاح النظام القائم فقد ظهرت العديد من الأفكار التي اتجهت إلى تطوير مفهوم ومحتوى وأهداف التنمية, وسواء أكان تجديد أهداف التنمية نتيجة الحاجات الإنسانية, أو بدوافع فلسفية تتعلق بالرؤيا السياسية التي ظهرت مع تعدد الأنظمة السياسية وظهور النظام الاشتراكي بعد الحرب العالمية الأولى, أو ما تلاها من أفكار تتعلق بالبيئة والحفاظ عليها, فإن أهداف التنمية ومضامينها قد تعددت وبوسعنا أن نوجز أهم الأهداف التي تحاول مجهودات التنمية تحقيقها كلاً أو جزءاً  :

أولاً:-الاقتصاد      :Economic

        وهو ما قد يُعبّر عنه بالتنمية الاقتصادية: كأن ينظر إلى فكرة التنمية على إنها الزيادة التراكمية السريعة المستمرة التي تحدث في الدخل الفردي خلال فترة معينة من الزمن, فالفكر الاقتصادي الغربي أكد أولاً على النمو الاقتصادي وخاصة الصناعي ودالته الدخل القومي ونصيب الفرد منه , ولتحقيق أكبر قدر من النمو في الدخل لابد من اعتماد استراتيجية التصنيع لتحقيق التراكم الرأسمالي المطلوب(عثمان وزميلته , ص 19),

وبالتالي تحقيق المزيد من الفوائض المالية التي تستثمر لاحقاً إما في تحفيز مزيد من النشاط الإنتاجي أو تتجه نحو قطاع الاستهلاك, وكلاهما يؤدي إلى حركة متصاعدة للاستثمار والإنتاج والاستهلاك.

       وبهذا الفهم فإن التنمية كانت رديفاً للنمو, غير أن النمو يحدث تلقائياً, فيما التنمية عمل مخطط مبرمج يمتد على مساحة مكانية وزمانية, ويأخذ بالحسبان الإمكانات المتاحة والقدرة على التنفيذ.

      وفي وقت لاحق تبين أن نمو الدخل القومي مقاساً بالتغير الكمي السنوي قد لا ينعكس بالضرورة بنفس النسبة على الدخل الفردي لعلاقة ذلك بطريقة توزيع الدخل أولاً, وثانياً فإن نمو الدخل القومي لا يعد كافياً لتحقيق التنمية الاقتصادية ما لم يترافق مع تنوع قطاعات الإنتاج والخدمات, وزيادة أهمية الصناعة التحويلية في الناتج القومي الإجمالي, وبتعبير آخر لابد أن تتضمن جهود التنمية تغيير هيكل الاقتصاد وبنيته Structural Change   وبتفعيل القطاعات الاقتصادية والخدمية, وثم زيادة التشابك والترابط بين هذه القطاعات كي تعمل بانسجام ومن دون أن يكون أحدها محبطاً إلى آخر, بل مساعداً وضامناً.

      كما ذهبت بعض الآراء لتتجه ليس فقط نحو الإنتاج , بل لتأخذ بالحسبان الاستهلاك بتطويره وتنويعه ورفع حصة الفرد منه سواء أكان مادياً أم خدمياً بهدف إنجاز قدر أوفر من الرفاهية للإنسان.

    إن زيادة وتيرة تراكم رأس المال الناتجة عن نمو الدخل القومي والفردي وأن كانت هدفاً أساسياً للتنمية, إلا أنها ليست مضمونة النتائج ما لم تترافق مع زيادة فاعلية قطاعات الإنتاج وتفاعلها, فضلاً عن توزيع للدخل بطريقة عادلة بين السكان.

ثانياً: الإنسان Human     :

        لطالما كان الإنسان هدفاً رئيساً للتنمية, وغـــــــــاية عليا للجهد الإنساني, فضلاً عن كونه الوسيلة الرئيسة له ولابد أن يُطرح بادئ ذي بدء سؤال أساسي عن التنمية هو أن التنمية لمن ؟ ولأي شيء؟

      (القريشي 2010, ص 34).

       إن رفع النصيب الفعلي للفرد من الدخل, والكفاية من فرص التعليم والصحة والخدمات والسكن اللائق, هي غايات سامية تضعها محط اهتمامها كل مجهودات التنمية, وإلا فما نفع تنمية لا تنعكس ثمارها على حياة الإنسان اليومية؟ وهل سيكون الإنسان ذاته معنياً بالحفاظ عليها ما دام غير مستفيداً منها؟ فالضمانة للحفاظ على التنمية حصول اشتراك الجميع بتحمل أعبائها وبقطف ثمارها والحرص على ديمومتها. ولقد حصل توسع هائل في المضامين الاجتماعية للتنمية لتشمل آفاقاً واسعة من حياة الإنسان إضافة لما سبق منها: أمد الحياة,  خفض وفيات الأطفال, زيادة وقت الفراغ, الراحة والاستجمام, أحوال الثقافة, محو الأمية, مستويات التحضر, طريقة التفكير , تأمين قدرة أفضل في التطلع إلى المستقبل , تعدد الخيارات, الحرية في اتخاذ القرارات والتحرر من الحاجة والعوز والإهمال, القضاء على الفقر, حرية التفكير والإبداع, ثقافة وحقوق المرأة, العنف ضد المرأة, الانتخاب, حق تقرير المصير والقدرة على اتخاذ القرار , مؤسسات المجتمع المدني ودورها في الحياة العامة, احترام التعددية الإنسانية بتعدد المجتمعات وبالتالي تعدد الخيارات والنماذج وطرائق التعامل مع المشكلات الإنسانية. تدخل كل هذه المضامين تحت عنوان التنمية البشرية Human Development  أو البعد الاجتماعي للتنمية Social Dimension of Development .

     إن هذا البعد ينقل الإنسان من تحسين مستوى الحياة إلى تحسين نوعية الحياة , وهو ما يجعل التنمية متعددة الأبعاد وغير مقتصرة كما في السابق على التنمية الاقتصادية.

     ولقد أولت الأمم المتحدة التنمية البشرية اهتماماً خاصاً في برامجها وفي تقاريرها وسيرد ذلك لاحقاً.

ثالثاً: المكان        Space

      وهو ما ندعوه بالتنمية المكانية, وصار لاحقاً يعرف بـ (التنمية الإقليمية Regional Planning ). ومن المعروف أن مجهودات التنمية اهتمت ومنذ البدء بخصائص الأمكنة الجغرافية تشخيصاً واستثماراً لضمان تحقيق قدر أوفر من النجاح لعمليات تنمية الأمكنة, هذا من جانب , ومن جانب آخر فإن عدم المساواة un equal  بين الأمكنة في مستويات النمو والدخول والتشغيل والنشاط كانت السبب الحاسم وراء دخول الدولة في الأنظمة الرأسمالية ميدان التنمية المخططة بدلاً من النمو التلقائي لعلها تقلل قدر ما أمكن من سلبيات النمو غير المتوازن للاقتصاد, وانعكاساته الحادة على حياة الإنسان. وإذا كانت أولى محاولات التنمية الإقليمية Regional Development  قد جرت في المملكة المتحدة بدءاً من عام 1928 بسياسات التأثير في المواقع الصناعية مثل سياسة العمال للعمل Worker to The Works, ومن ثم سياسة العمل للعمال Work to The Workers, ثم سياسة العصا

والجزرة المشهورة The Stick and the Carrot , إلا إنها في فرنسا قد اتخذت بعداً مكانياً أكثر وضوحاً بعد عام 1940 حينما قدّم  Perroux آراءه الفكرية بخلاصته المعروفة أقطاب النمو Growth pole , ومن ثم ما أضافه  Boudevile  الذي أكد على الحيز الجغرافي Geographical space  بدلاً من الاكتفاء بالحيز الاقتصادي للتنمية Economic space(عبد الزهرة 2013, ص 180).

     وقد لاقت فكرة الأبعاد المكانية للتنمية أو التنمية الإقليمية صدىً واسعاً في الفكر الاشتراكي, ومساحة واسعة في التنفيذ بهدف نيل معظم السكان نصيباً عادلاً من ثمار التنمية.

رابعاً: البيئة   Environment

       لقد تأخر الإنسان كثيراً في إدراكه للأضرار الناتجة عن التوسع في التنمية على حالة البيئة, وهذا لا يشمل التوسع في الإنتاج الصناعي بل وأيضاً إجهاد التربة في الزراعة, التعدين الجائر, استنفاذ موارد المياه الجوفية, استغلال أراضي الغابات لأغراض الزراعة أو بالإفادة من أخشابها, تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية, خزن النفايات بطريقة وفي أماكن غير مناسبة, فضلاً عن الأثر الفاعل لاستهلاك المواد الكيمياوية وإطلاق المصانع للغازات والأبخرة مما يضر كثيراً بطبقة الأوزون التي تحمي كرتنا الأرضية.

      إن الإدراك المتزايد للأخطار البيئية التي تسببها الأنشطة الإنسانية المختلفة للبيئة وانعكاساتها السلبية على حالة البيئة قد تطلبت اتخاذ إجراءات عديدة للحد من هذه الآثار, وبهذا فقد دخل البعد البيئي كجانب أساسي يجب مراعاته وهو ما نطلق عليه التنمية البيئية .

خامساً: الاستدامة Sustainability   

      ولقد بدأت الأنظار تتجه مؤخراً نحو ضرورة استمرار عمليات التنمية وعدم توقفها , أي بأن تحمل في آلياتها وطبيعتها عناصر النجاح والديمومة وهو ما اصطلح عليه التنمية المستدامة. *

3.1. استراتيجيات التنمية:

       إن التنمية بصفتها عملية مخططة لإحداث فعل النمو, إنما تستند في ذلك إلى رؤى فلسفية قد تكون بصيغة اجتهادات فردية أو نظريات اقتصادية أو سياسية أو مالية أو ما شاكل, ولهذا فقد اتخذت آلياتها اتجاهات ومسارات عديدة. وككل الأعمال الإبداعية الإنسانية حيث تبدأ بعمل فردي خلاّق غالباً, ثم يتوج بإضافات لآخرين ترقى به إلى مستوى الكمال, فإن التنمية بدأت بأفكار جاء بها آدم سميث بكتابه "ثروة الأمم" عام 1776 , حيث أكد على أهمية تقسيم العمل لرفع الإنتاجية, فيما أكد ريكاردو فيما بعد على التجدد الذاتي الآلي لعملية التنمية وتراكم رأس المال. وعند الاشتراكيين أمثال ماركس اتخذت العملية وجهة أخرى نحو الطبقة العاملة ومدى استفادتها من عملية التنمية بدلاً من كونها عملية يصنعها الأغنياء بقدراتهم المالية. أما العوامل الأخرى الفاعلة في التنمية فقد أَُدخلت وعلى مراحل وأهمها كل من التقدم التكنولوجي وسعر الفائدة بصفتها محفزات أو محبطات للتنمية في هذا القطاع أو ذاك من قطاعات الاقتصاد, وعلى مستوى سرعة عمليات التنمية فكان فيها رأيان : أحدهما أشار إلى النمو البطيء أو التنمية المتدرجة باعتبار أن التنمية هي نتاج لعملية اقتصادية يتفاعل فيها العرض والطلب. وقد أُخذ على هذا التوجه بطء نتائجه , فجاء رودان بمبدأ الدفعة القوية Big push  بديلاً عن التنمية المتدرجة يقدم رودان مبرراً منطقياً لصعوبة نجاح التنمية المتدرجة في الدول النامية يتمثل بفقرها للبنى التحتية (القريشي ص 88) , ويقوم هذا المبدأ على ضخ استثمارات ضخمة , تتجه نحو البنى الأساسية والصناعات الاستراتيجية الأكثر قدرة على تحفيز عمليات الإنتاج , كما وتعد الاستثمارات الحكومية أساسية في عملية التنمية في البلدان النامية لان عائد الاستثمار في هذه البلدان محدود لضعف أسواقها  وقد لا يحفز الاستثمارات الخاصة على توسيع أعمالها( سالم,  ص59). إن عوائد هذا النوع من التنمية ستكون ضخمة وسريعة وذات تأثير أكثر فاعلية على عموم حالة الاقتصاد .

     أما على شمولية التنمية فقد حددت الأدبيات استراتيجيتان هما:

أولاً: استراتيجية التنمية المتوازنة

      يرى أصحاب هذا الرأي  أن جهود التنمية يجب أن تشمل كل مجالات الحياة المادية والروحية وبما فيها القطاعات الاقتصادية والخدمية للترابط الشديد والتفاعل فيما بينها, وإن تنمية أحدها أو بعضها من دون تطور ونمو مماثل في الأخرى وقد لا يفضي إلى نتائج إيجابية هامة, فقد تتعثر جهود التنمية ببقاء كوابح لها في مجالات معينة, ولهذا فإن ضمان نجاح عملية التنمية يتطلب شمولها وتوازنها القطاعي, إلا أن هذه الرغبة قد تصطدم بعائق يتمثل بالحاجة إلى مقدار ضخم من الاستثمارات قد لا يكون ممكناً توفيره بالنسبة إلى العديد من البلدان.

ثانياً: استراتيجية التنمية غير المتوازنة

     وتتمثل بالتوجه نحو الاستثمار في القطاعات الاقتصادية التي تتميز بضمان وارتفاع عوائد الاستثمار كالصناعات التحويلية, أو حتى الفروع التي توصف بكونها قادرة على تحفيز الأنشطة الأخرى , أو التي لها روابط تشابكية قوية كالصناعات الهندسية والكيمياوية أي الاقتصار على فروع أو قطاعات معينة وهذا يتماشى مع ضآلة القدرات الاستثمارية, إلا أن نتائجه تحتاج لوقت أطول لكي تظهر على المستوى الاقتصادي العام للبلاد, كما قد يرى البعض أن نجاح فرع اقتصادي أو صناعي يشجع لاحقاً الاستثمارات للتدفق نحو آخر يعاني من الاعتلال, وبذلك تنتقل ثمار التنمية من قطاع لآخر.

4.1.  قياس التنمية:

      كثرت إسهامات المختصون واقتراحاتهم بشأن كيفية قياس التنمية كمياً, سواء لغرض المقارنة لحالها بين بلد وآخر , أو لغرض متابعتها زمانياً في البلد الواحد وقد وضعت الكثير من المؤشرات لهذا الغرض , كان أكثرها أهمية واستخداماً مؤشر الناتج القومي الإجماليGross National Product   والمعروف اختصاراً GNP ورديفه مؤشر معدل الدخل الفردي Per- Capita Income  ويستخرج بقسمة الأول على مجموع السكان . إن مؤشر الناتج القومي الإجمالي بصفته مؤشراً اقتصادياً يبين حالة الاقتصاد القومي المبنية على حساب متغيرات الإنتاج والاستهلاك والدخل للاقتصاد القومي السنوي يعد مؤشراً هاماً لحالة الاقتصاد وتغيراتها السنوية, وهي مؤشرات متاحة للتداول ومعروفة لمعظم دول العالم, وبالتالي فإن بالإمكان اعتمادها لمتابعة نتائج عمليات التنمية من الوجهة الاقتصادية .

      ونظراً إلى ان هذا المؤشر لا يعد كافياً للإلمام بالأوجه الأخرى لعملية التنمية وخاصة التنمية البشرية أو ما يدعى بنوعية الحياة, فقد اتجهت الأفكار نحو ابتكار مؤشرات أخرى غير اقتصادية تهتم وتقيس النمو والتطور  والتحسن في مستويات العيش ومستوياتها ما تعد مؤشرات قياس اجتماعية .

ومن السهل ذكر العشرات منها مع إن التأكيد قد جـــــــــــــرى على أهمها ومنها :-

أمد الحياة أو العمر المتوقع.

متوسط استهلاك الكهرباء كيلو واط/ساعة.

التحصيل الدراسي (نسبة الحاصلين على الشهادات المختلفة وخاصة الجامعية الأولية).

تداول الصحف لكل 100 من السكان.

عدد الهواتف لكل 1000 من السكان.

        وفي حالات عديدة جرى جمع عدد هذه المؤشرات برقم قياسي موحد. ومن الأرقام القياسية ذات البعد الاجتماعي التي اعتمدت كمؤشر للتنمية الرقم القياسي لنوعية الحياة الذي يضم ثلاث مؤشرات أساسية هي: أمد الحياة المتوقع,   وفيات الأطفال الرضع ومستوى التعليم(القريشي, ص 48).

       وقد وجد كثر من المهتمين أن الجمع ما بين المؤشرات الاقتصادية وغير الاقتصادية للتنمية يعطي المتتبع قراءة أكثر دقة ومصداقية لحالة التنمية البشرية.

       وقد جاء مثل هذا المقترح ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2010 تحت عنوان الرقم القياسي للتنمية البشرية Human Development Index HDI  وفقاً للمعادلة الآتية:-

 

d = 


حيث X هي المتغير الأصلي( والمتغيرات هي العمر المتوقع, التحصيل العلمي والدخل ).

min و max هي أقل وأعلى قيمة للمتغيرات التي رصدت بين بداية ونهاية مدة الرصد لكل دولة مشمولة.

ويتم الحصول على مؤشر التنمية وفقاً للمعادلة الآتية:-

HDI = (dx1 dx2dx3)

HDI      مؤشر التنمية البشرية.

dx1     الرقم القياسي للعمر المتوقع

dx2     الرقم القياسي للتحصيل العلمي

dx3     الرقم القياسي للدخل

( علي عبد القادر علي, ص 23 )

إن مؤشرات التنمية البشرية يعد مؤشراً ذا دلالة تفوق المؤشرات الأخرى لشموله على كل من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية للتنمية.

5.1. متطلبات التنمية:

        إن التنمية بصفتها عملية واسعة ومتنوعة الرؤى والأهداف والآليات, وتمتد على مساحة مكانية واسعة ولمدة زمنية ليست بالقصيرة , لابد أن تكون ذات ملامح واضحة المعالم بحيث تعطي قدراً وافياً من العوائد المادية أو غير المادية, بمعنى أن لا مجال واسع فيها للتجربة والفشل, فالإمكانات التي تتطلبها عملياتها قد لا يكون ميسوراً توفيرها وثم هدرها, وكذا بالنسبة لعنصر الزمن وخاصة لبلدان العالم الثالث . وإجمالاً نشير إلى ما يمكن أن يكون عناصر نجاح لخطط التنمية ومنها:-

أولاً:- شمولية أهداف التنمية ما بين الاقتصادية والبشرية, وهذا يضمن حرص المشتركين على إدامة زخم الإنتاج وتجاوز العقبات, ومن ثم الحفاظ على المكتسبات.

ثانياً: -الاعتماد على الذات, وهذا يتطلب تهيئة الكوادر المحلية, وتنظيم عمل الجهات الراعية وتأهيلهم وتعليمهم للقيام بكل مراحل التنمية والتخطيط لها أي بناء الإنسان ليصبح فاعلاً في إنجاز عمليات التنمية.

ثالثاً: -التعاون بين القطاعين العام والخاص على انجاز برامجها, وتشجيع القطاع الخاص على أن يكون له دور متصاعد في قطاعي الإنتاج والخدمات.

رابعاً:- اللامركزية في التنفيذ والابتعاد عن البيروقراطية  الذي تتصف به الأنظمة المركزية.

خامساً:-ضمان مشاركة واسعة للمستفيدين من التنمية أي السكان في وضع البرامج  والخطط وتعديلها وتصحيح مساراتها.

سادساً:-ربط الجامعات ومؤسسات البحث العلمي بالمجتمع باتجاه حل مشكلاته.

سابعاً:-تحييد التأثيرات والتدخلات السياسية على الاقتصاد والتنمية .

ثامناً:-الاستخدام الكفوء للموارد المحلية المتاحة قدر الإمكان.

تاسعاً:-التوجه نحو اقتصاديات العلم والمعرفة , أي الربط ما بين الاقتصاد والبحث العلمي والعوائد الاقتصادية له.

عاشراً:-الشفافية في العمل وسيادة القانون.

مصادر الفصل الأول

أ

القواميس

-

مجد الدين بن محمد بن يعقوب الفيروز آبادي, القاموس المحيط, ط2, دار إحياء التراث العربي-بيروت , 2003.

-

ابن منظور, لسان العرب, المجلد 6, دار صادر, بيروت, ط3, 2010.

-

محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي , مختار الصحاح, دار الكتاب العربي, بيروت, 1967.

ب

الكتب العربية

-

رانيا بلمداني, أثر السياسات التنموية في فرص العمل, حالة الجزائر, النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية, المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات, بيروت, آذار, 2013.

-

د. سالم محمد عبود, التنمية المستدامة والتكاليف البيئية, دار الدكتور للعلوم الإدارية والاقتصادية, بغداد,2013

-

د, عثمان محمد غنيم, د. ماجدة أبو زنط , التنمية المستدامة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها, دار صفاء للنشر والتوزيع , عمان , ط2, 2014.

-

د. عبد الزهرة علي الجنابي, الجغرافيا الصناعية, دار صفاء للنشر والتوزيع ,عمان مؤسسة دار الصادق الثقافية, بابل, 2013.

-

علي عبد القادر علي, ملاحظات استكشافية حول النمو والتنمية في الدول العربية, مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, العدد 1,المجلد الأول 2013.

-

د. قادر محمد الطاهر, التنمية المستدامة في البلدان العربية بين النظرية والتطبيق, مكتبة حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع, لبنان, 2013.

-

د. محمد زكي شافعي, التنمية الاقتصادية, دار النهضة العربية, القاهرة ,1983  .

-

مدحت القريشي, التنمية الاقتصادية, دار وائل للنشر, الأردن ,2007.

-

د. محمد صالح تركي القريشي, علم اقتصاد التنمية, مكتبة الجامعة,الشارقة, إثراء للنشر والتوزيع,الأردن, 2010

-World Development Report, 2000-2001, Attacking Poverty: Opportunity, Empowerment and security, Washington D.C., World Bank, New York, Oxford University Press, 2001.



          الفصل الثاني :

           التنمية المستديمة :

                                 التعريف والتأريخ

الفصل الثاني :    التنمية المستديمة : التعريف والتأريخ

1.2. : الاستدامة في اللغة

         جاءت الاستدامة فيما يبدو من (دام) الشيءُ ويدوم ويدام (دَوما) و(دواماً) و(ديمومةً). ودام الشيء أي سكن, و(استدام) أي تأنى به وأنتظر, وفي معنى (دام) جاء في مختار الصحاح هو الدوام (مختار الصحاح , ص 216).

        أما في القاموس المحيط فيأتي ذات المعنى للاستدامة , فدام يدوم دوماً وديمومة, وأدام الشيء واستدامه فتعني تأنى فيه أو طلب دوامه, فيما الدوم تعني الدائم(القاموس المحيط ص 1022), ولا يختلف المعنى في لسان العرب عما ورد فيما سبق, وبهذا يتفق اللغويون على معنى متماثل للاستدامة فدلالته تشير إلى التأني في طلب الشيء , وديمومته واستمراره , حتى أن السكون عندهم هنا دلّ على الاستمرار والمواظبة.

      أما التنمية المستدامة فهي التنمية التي تُدام بالفعل المستمر , أي يديم الناس استمرارها, غير أن التنمية المستديمة فهي التي تديم نفسها بنفسها من دون فعل خارجي أو تأثير.

       وإذ يترجم مصطلح Sustainable Development  حيناً إلى التنمية المستدامة عند البعض , والتنمية المستديمة عند البعض الآخر , فأغلب الظن إن صيغة اسم الفاعل(المستديمة) هي أكثر دقة في التعبير عن مضمون مصطلح اسم المفعول(المستدامة), فالاستدامة في اسم المفعول راجعة إلى قوة خارجية, وهذا التعبير يُخرج الاستدامة من قصد المعنى والمضمون, في حين أن صيغة اسم الفاعل تترجم المبتغى من المصطلح لغة وهو ضمان وديمومة فعل التنمية بفعل عوامل دفع ذاتية في التنمية بذاتها من دون قوى خارجية وهو المقصود من المصطلح .وبهذا فإن كلاً من الاستدامة والمستديمة ملحقة بالتنمية تشير إلى الدوام والاستمرار والتواصل, لكن هذه الديمومة تحدث بفعل خارجي في الاستدامة,

وبقوة ذاتية في التنمية المستديمة وهي المقصودة بالتفصيل  وإن درج الباحثون على استخدام أحداها محل الآخر فهو في غير موضعه في اغلب الظن.

2.2.  تعريف التنمية المستديمة

        إن مصطلح التنمية المستديمة (أو المستدامة) حديث النشأة على مستوى الفكر الإنساني , فلا غرابة من تعدد تعريفاته , وتنوع مضامينه ودلالاته, فلم يتم التوصل حتى الآن إلى تعريف محدد وشامل, وبذلك يجدر أن نستعرض بعضاً من التعاريف العامة للتنمية المستديمة:-

§      هي التنمية التي تستخدم الموارد الطبيعية دون أن تسمح باستنزافها أو تدميرها جزئياً أو كلياً (عثمان وزميلته ص 25 ( Geis and Kutzmark p2   .

§      إنها نمط من الرقي والتقدم يتم بموجبه تلبية حاجات الحاضر دون أن يكون ذلك على حساب الأجيال القادمة أو يضعف قدرتها على تلبية احتياجاتها الأساسية (د. سالم ص 100).

§      إن التنمية المستديمة تسعى لتحسين نوعية حياة الإنسان, ولكن ليس على حساب البيئة, وهي في معناها العام لا تخرج عن كونها عملية استخدام الموارد الطبيعية بطريقة عقلانية (عثمان وزميلته, ص 25).

الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة بهدف رفع مستوى المعيشة ليشـــمل أجيال المستقبل الى جانب الجيل الحاضر(د. حسن الشافعي, ص13).

§      هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الاخلال بقدرات الاجيال القادمة على تلبية احتياجاتها , وهي عملية تغيير حيث يجري استغلال الموارد وتوجيه الاستثمارات , وتكييف التنمية التقنية والتطوير المؤسسي  بتناسق يعزز الإمكانيات الحاضــــــرة والمستقبلية في تلبية احتياجات البشر وتطلعاتهم ( اسامة الخولي ص ص 51-52).

§      تعريف Edward Barbier  هي النشاط الاقتصادي الذي يؤدي الى الارتفاع بالرفاهية والحياة الاجتماعية , مع اكبر قدر من الحرص على الموارد الطبيعية المتاحة وباقل قدر ممكن من الإضرار  والإساءة للبيئة.

§      تعريف Repeno  هي استراتيجية تدير كل الاصول بما فيها الموارد الطبيعية والبشرية والأصول المادية والمالية بما يحقق زيادة في الثروة ومستوى الرفاهية في الأجل الطويل ( محمد عبد الكريم عبد ربه ص215).

§      هي تنمية قابلة للاستمرار والتي تهدف الى الاهتمام بالعلاقة المتبادلة ما بين الإنسان ومحيطه الطبيعي وبين المجتمع وتنميته , والتركيز ليس فقط على الكم بل النوع مثل توزيع الدخل بين أفراد المجتمع وتوفير فرص عمل والصحة والتربية والإسكان (فراس احمد الخرجي ص136).

§      الحفاظ على الفرص للأجيال القادمة مع فكرة عامة بأن العدالة متداخلة مع الأجيال (سالم توفيق النجفي ص40).

§      هي عملية تراكمية تتأسس على ما هو قائم , وتحقيقها هو بمثابة عملية بقدر ما هو هدف محدد , وهي ليست نشاطاً من الأنشطة الآتي يترك امر تحقيقها للمدى الطويل , بل هي كناية عن مجموعة من الأعمال القصيرة والمتوسطة الطويلة الأجل , والأنشطة والممارسات التي تهدف الى معالجة دواعي القلق الملحة , وفي نفس الوقت التطرق للمسائل الطويـــــلة الأجل (د. نوزاد عبد الرحمن الهيتي , نقلاً عن قادري ص55).

§      انها عملية استغلال الموارد المتاحة بطريقة عقلانية كونها تتصف بالندرة ومهددة بالفناء لإشباع حاجياتنا وتحقيق إشباعنا ورفاهيتنا دون المساس بسلامة البيئة وتوازنها مع الحفاظ على حق الأجيال القادمة في استغلال نفس الموارد والعيش في نفس البيئة السليمة والنظيفة (د. ديب ص34).

§      هي السعي لتحقيق نوع من العدل والمساواة بين الأجيال الحالية والقادمة وان تتعرّض العمليات التي يتم بواسطتها تلبية حاجات الناس وإشباعها للخطر (يوسف محمد صالح 2010).

    وإذا شئنا ملاحقة واستعراض التعاريف العامة للتنمية المستديمة سنجد ان تقرير الموارد العالمية الصادر عام 1992 قد استعرض 20 تعريفاً توزعت ما بين أربع مجموعات فيما تجاوزت التعريفات العامة 60 تعريفاً حالياً.

        وفيما يبدو ان التباين في الصيغة اللفظية لتعريف التنمية المستديمة إنما تعود لعدة أسباب هي : حداثة المفهوم , وسرعة انتشاره وكثرة الباحثين فيها أفراداً ومؤسسات , فضلاً عن تنوع مضامينه القائمة على تعدد أبعاد هذه التنمية.

       من التعاريف السابقة وسواها يمكن أن نتبين المضامين الأساسية للتنمية المستديمة بالآتي:-

1.     ان حصول عملية تنمية لجوانب من حياة الإنسان المختلفة إنما تهدف في النهاية إلى تحسين أحواله وطريقة عيشه والتجانس مع محيطه.

2.     تحقيق مبدأ العدالة في توزيع فرص التنمية وفي قطف ثمارها بين السكان والجماعات التي تستهدفها التنمية.

3.     أن لا تتسبب التنمية بالأضرار بالبيئة, أو تستنفذ الموارد المحدودة , أي أن تحافظ على حقوق الأجيال القادمة منها .

4.     استمرارية عملية التنمية واستدامتها بفعل حوافز وبواعث ذاتية , أي لا تبقى مرهونة بتأثير العوامل الخارجية .

5.     إن التنمية المستديمة بحاجة إلى آليات وقوانين ونظم تساعد على تحقيقها والحفاظ على مكاسبها .

6.      أحوال المجتمع وعيش السكان الآمن بضمان مبادئ الشمول  لقطاعاته وأمكنته والعدل لمكوناته والدوام لزمانه, مع وضع الآليات الفاعلة لقطف ثمارها للأجيال الحالية واللاحقة. 

3.2. مراحل تطور التنمية المستديمة:-

          مرّ المفهوم بمراحل تطور عديدة قبل أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم سواء من الناحية الفلسفية التي تتعلق بالمحتوى والمضمون, أو بما يتعلق بإمكانية التنفيذ وإخراج نظرياته إلى حيز التطبيق. ويمكن بيان هذه المراحل على النحو الآتي:-

المرحلة الأولى:-مرحلة التهيئة وهي سبقت عام 1980.

        كانت النظرة إلى العلاقة بين كل من الموارد الطبيعية والاقتصادية القديمة منها والجديدة وبين البيئة وسلامتها وما تتعرضان له من استنزاف للأولى وتلوث للثانية, قد أخذت وقتاً كافياً للبحث والاستقصاء, وظهرت بوادر للتأمل المستقبلي بعيد المدى لحالتيهما.

       جاءت العديد من المبادرات والكتابات التي تتناول هذه المواضيع خلال القرن العشرين, ومن الإسهامات التي مثلت بدايات مهمة لولادة المفهوم الكتاب الذي أصدرته راشيل كارسون تحت عنوان الربيع الصامت عام 1962والذي اعتبر ثورة في عالم البيئة آنذاك (قادري ص 57) . وفي عام 1968 أُنشئ نادي روما الذي اهتم بمشاكل تطور العالم والذي نشر عام 1972 تقريراً مفصلاً حول توقعات تطور المجتمع البشري وعلاقة ذلك باستغلال الموارد الاقتصادية تحت عنوان حدود النمو( منى جميل وزميلهما ص 145) .

        في عام 1971 عقد مؤتمر روشيلكون بسويسرا عن البيئة والذي دق ناقوس الخطر ليحذر العالم من الجور على البيئة والكون. 

       وفي عام 1972 بدأ العمل يأخذ منحى أكثر جدية بانتقال آليات العمل إلى الأمم المتحدة حيث انعقدت قمة الأمم المتحدة حول التنمية البشرية في ستوكهولم وأكدت فيه على الترابط بين المشاكل البيئية والتطورات الاقتصادية (زواوية, ص255) وإن الإنسان هو الهدف الأساسي للتنمية وهو المحرك الأول إليها أيضا.

 

المرحلة الثانية : ولادة المفهوم

      ورد مصطلح Sustainable Development  للمرة الأولى في تقرير الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة عام 1980 والذي كان بعنوان(الاستراتيجية العالمية للحماية) وظهرت ترجمته إلى العربية بكونها التنمية المستدامة أو المستديمة أو القابلة للدوام أو المتواصلة. وقد أكد التقرير على ان تدمير البيئة لم يعد قاصراً على الدول الصناعية , بل تعداه إلى الدول النامية أيضاً , وبخاصة في حالة ترافق الفقر فيها مع النمو السكاني. (باسل البستاني , ص 46) , غير أن هذا المصطلح لم يأخذ مداه الواسع في الاهتمام بالتعريف ووضع الآليات إلا في عام 1987, فقد وضع المصطلح على جدول أعمال اللجنة العالمية للبيئة والتنمية برئاسة زوجة رئيس وزراء النرويج السابق  Brundtland التي ترأست الاجتماع الخاص بالبيئة العالمية للبيئة والتنمية , وقدمت اللجنة تقريرها المعروف Our Common Future( مستقبلنا المشترك) والذي عرّف بدقة مفهوم التنمية المستديمة على إنها تلك التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون الإضرار بقدرة الأجيال المقبلة في تلبية احتياجاتهم. (Meet the needs of the present with Tatyana P.9  out compromising the ability of future generation to meet their own needs).

       وبهذا فقد تحدد المفهوم ببعدين: أولهما ما يمكن فعله الآن والثاني ما يمكن في المستقبل, أي أن التعريف يشير إلى شيء أساسي هو استمرار التنمية لمستقبل غير محدد(U.N.P 18) .

       وقد حدد التقرير ما يجب على الدول الفقيرة عمله لتصبح أغنى , وربط التقرير هذا التحول من الفقر الى الغنى لتحقيق المطالب التي صنفها بالغذاء, والملبس والمسكن, والتعليم, والصحة, والمياه, لكنه أي التقرير لم يضع آليات هذه المطالب ولا كيفية تحقيقها أو من يحققها. ومع هذا النقص الهام في التقرير, إلا إنه قدم مقترحاً للعمل في إطار مؤسساتي سياسي وقانوني, فالعمل نحو التنمية يتطلب حلولاً وإرادات سياسية جديدة مع إلزام قانوني . وهذا يتطلب أيضاً إقامة شبكة علاقات مشتركة بين المؤسسات المعنية بتحقيق التنمية.

وقد ركز التقرير على ستة محاور (د. عايد العصيمي, ص 56) هي:-

§      الحصول على الموارد.

§      التعامل مع التأثيرات.

§      تقييم المخاطر الكونية.

§      إتاحة الخيارات.

§      توفير الوسائل القانونية.

§      الاستثمار في المستقبل.

وأكد التقرير على إن المشاركة والتعاون هما ركيزتان لتحقيق التنمية المستديمة .

المرحلة الثالثة: مرحلة تطوير المفهوم

         وفي المدة التي تلت عام 1987 جاءت إضافات معتبرة لتطوير مفهوم التنمية المستديمة, , وإيضاح وتفعيل لمحتواه ومضامينه, وقد أفضت هذه الإضافات إلى وضع الأبعاد الأساسية لهذه التنمية ببناء ما سمي بنموذج الأركان الثلاثة أو نموذج الثلاث دوائر (الشكل1.2.) حيث تظهر في الشكل الأبعاد الثلاثة وهي الاقتصاد والبيئة والمجتمع.

4.2. التنمية المستديمة في القمم العالمية

         أسهمت الأمم المتحدة  بدور فاعل في الدعوة وثم تبني مفهوم الاستدامة, والعمل على وضع الآليات المناسبة لتفعيلها من خلال المؤتمرات العالمية, وعلى وجه التحديد القمم العالمية التي رعتها بدءاً من قمة ستوكهولم 1972 بالعاصمة السويدية , وقد وضعت لأول مرة المسائل البيئية في صلب الاهتمامات الدولية , وقد ولد بنتيجة المؤتمر برنامج الامم المتحدة للتنمية . في هذه القمة إلتزم المشاركون من قادة الدول على اللقاء كل 10 سنوات لمناقشة حصيلة اوضاع الارض البيئية. كما وصدر عن المؤتمر اعلان دولي يضم 109 توصية كخارطة طريق للعمل الدولي المشترك لحماية البيئة .

الشكل 1.2.

التنمية المستديمة

المصدر :- د. عايد عبد الله العصيمي, المسؤولية الاجتماعية للشركات  نحو التنمية المستدامة , دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع, عمان,2015, ص57.

§      المؤتمر الدولي عام 1982 في نيروبي بكينيا , إلا أن القمة فشلت لترافقها مع مشاكل سياسية على المستوى العالمي.

§      قمة الأرض في ريودي جانيرو عام 1992 حول البيئة والتنمية, وقد وضع للمؤتمر  ورقة عمل مفادها "إن البشر هم محل التنمية المستديمة.. وينبغي على  الحكومات بالتعاون مع المنظمات الدولية إن تعتمد استراتيجية وطنية للتنمية المستديمة ", وقد صدرت عن المؤتمر وثيقة سميت "الأجندة 21" والتي حددت المعايير الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لكيفية تحقيق التنمية المستديمة كبديل تنموي للبشرية لمواجهة احتياجات وتحديات القرن الحادي والعشرين(باتر محمد علي, ص185) , كما وتضمن إعلان أو وثيقة ريو مجموعة من القضايا التفصيلية المتعلقة بالجوانب التجارية والمالية والإعلانات والإعفاءات من الديون وحقوق الإنسان والتمتع بالأرض مما يساعد في وضع التنمية المستديمة موضع التطبيق(قادري ص59).

وقد انبثقت عن القمة عدة اتفاقيات فضلاً عن أجندة  21 وهي :

1.     الاتفاقية الإطارية حول التغيرات المناخية المعروفة باتفاقية كيوتو والخاصة بتقليل الغازات المنبعثة والتي تتسبب في الاحتباس الحراري.

2.     الاتفاقية المتعلقة بمحاربة التصحر والتنمية المستدامة للغابات.

3.     اتفاقية التنوع البيولوجي.

§      الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1997 والتي استعرضت جدول أعمال القرن 21 الخاصة بالاستراتيجيات الوطنية للتنمية المستدامة , حيث أكدت على السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والربط بينها, وأهابت بجميع البلدان استكمال هذه السياسات بحلول عام 2002 وصياغة استراتيجيات وطنية للتنمية المستديمة .

§      في عام 2000 قام رؤساء حكومات 147 دولة وحكومة وبرعاية الجمعية العامة للأمم المتحدة وبمقرها في نيويورك بالتوقيع على (إعلان الألفية) مؤكدين دعمهم لمبادئ التنمية المستديمة, وكرروا إقرار جدول أعمال قمة الأرض السابقة في البرازيل. وقد تضمن إعلان الألفية عدة نقاط أساسية منها:-

محور التنمية والقضاء على الفقر:

      توجيه الاهتمام لتخليص بني الإنسان من الفقر المدقع والفاقة, وإن من متطلبات ذلك وجود الحكم الرشيد في كل بلد, والشفافية في النظم المالية والنقدية والتجارية, وتتعهد الدول الأعضاء بمعالجة الاحتياجات الخاصة للبلدان الأقل نمواً والمنخفضة الدخل والاهتمام بمشاكل ديونها. وفي سبيل ذلك تتعهد الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة في مجالات المياه الصالحة للشرب والتعليم والصحة وخاصة لجهة خفض وفيات الأطفال الرضع والأمهات ووقف انتشار مرض نقص المناعة.

محور حماية البيئة المشتركة:

     وقد تعهدت الدول الموقعة على الميثاق ببذل الجهود بتطبيق أخلاقيات جديدة لحفظ الطبيعة ورعايتها, ووضع بروتوكول كيوتو والخاص بخفض غاز ثاني اوكسيد الكاربون موضع التطبيق .

محور التنوع البيولوجي

الحث على إدارة الغابات بشكل أفضل وحفظها وتنميتها, وتنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر.

وفي محور التنمية الاقتصادية أوصى الإعلان بإقامة شراكات مع القطاع الخاص, وشجع إفادة الجميع من تقنيات المعلومات والاتصالات.

§      في عام 2002 عقدت القمة العالمية(قمة الأرض الثانية) للتنمية المستديمة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا .أكدت القمة على تكامل عناصر التنمية المستديمة الثلاثة: التنمية الاقتصادية, والتنمية الاجتماعية , وحماية البيئة, وأوصى المؤتمر بمجموعة من الآليات التي تساعد في تحقيق هذه التنمية منها: الشراكة بين القطاعين العام والخاص, والشفافية في عمل المؤسسات, والاهتمام بجوانب الصحة, والبحث والتطوير وخاصة بما يخدم شرائح الفقراء ويقلل من أعدادهم. كما أكد على الدول بإكمال استراتيجياتها الخاصة بالتنمية المستديمة.

§      في عام 2012 التأم مؤتمر ريو بعد عشرين سنة من انعقاد المؤتمر الأول, وضم المؤتمر مشاركين حكوميين وغير حكوميين وتركزت المناقشات على موضوعين أساسيين(د. ديب كمال, ص 45) هما:

1.     الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستديمة  والقضاء على الفقر.

2.     الإطار المؤسساتي للتنمية المستديمة.

وكان من بين توصيات المؤتمر(ريو+ 20) : الآتي-

o       إعادة التأكيد على الأهداف التي أقرها مؤتمر ريو السابق عام 1992.

o       تحسين إدارة الغابات وخفض نسبة إزالتها.

o       جعل المدن أكثر كفاءة وقابلية للعيش.

o       خفض الانبعاثات الكربونية.

o       الانتقال الى الاقتصاد الأخضر والتأكيد على استئصال الفقر.

5.2.  التنمية المستديمة في الوطن العربي

      لم يتسن لأطروحة التنمية المستديمة أن تأخذ مداها الفكري ولا التنفيذي الذي تستحقه في البلاد العربية, لظننا في أن البلاد العربية لا تزال في دور المتلقي للثقافات والعلوم عامة التي تنجز في بلاد الغرب, وللتناغم والانسجام مع مضامينها نحتاج في بلداننا لفاصلة زمنية هي الفجوة العلمية ذاتها ما بين الدول المتقدمة وسواها النامية. صحيح أن بعض الإرهاصات المبكرة حصلت, إلا أن العمل الجمعي على الصعيد العربي بدأ متأخراً , وفيما يبدو أن الجهود الرسمية قد بدأت باجتماع مجلس وزراء العرب عن شؤون البيئة في اجتماعهم في شباط 2001 في أبو ظبي, وتمخض الاجتماع عن إعلان الدول العربية شريكاً فعالاً في مجال تحسين البيئة وحماية الموارد الطبيعية للحد من التلوث البيئي( اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ص 51) , ثم شكلت السكرتارية العربية للتنمية المستدامة التي أعدت ثم أصدرت عام 2003 إعلان أبو ظبي عن البيئة والطاقة, والذي عدّ إطاراً للعمل العربي بشأن التنمية المستديمة.

      ويتبين أن التجربة العربية في مجال التنمية المستديمة ليست ذات بال وتراوح مكانها , ولم تفضِ إلى الرسوخ والديمومة , وقد يعود الأمر لجملة من المعوقات لعل أهمها:-

أولاً:-إن المجتمع العربي يواجه تحديات متعددة أبرزها الفقر والبطالة وتواضع البنى التحتية والأمية, ومواجهة هذه التحديات يستدعي منحها أسبقية في خطط التنمية, صحيح إن هذه الجهود تصب في النهاية في خدمة محتوى التنمية المستديمة إلا إنها قد لا تكون في مقدمة تلك المحتويات.

ثانياً:-غياب الاستقرار وفقدان الأمن وخاصة بعد ما عرف ب " الربيع العربي" حيث دبت الفوضى في أغلب البلدان العربية لتستنزف الإمكانات المالية بعد أن كان التحدي الأول والأخير هو الكيان الصهيوني .

ثالثاً:-وبنتيجة فوضى الربيع العربي تعرضت المجتمعات العربية إلى أسوأ موجات للنزوح والهجرة منذ عام 1947, وصار الهمّ الأكبر يتجه نحو التخفيف من هذه التداعيات , فتوقفت أو كادت معظم برامج التنمية المستديمة .

رابعاً:-غياب الديمقراطية والتعددية وحداثة ظهور مؤسسات المجتمع المدني, وتكريس سلطة الأنظمة الاستبدادية, مما يعيق بلورة الفكر والعمل الجمعي ويعطل المبادرات الفردية والجماعية.

خامساً:-استمرار صفة الاقتصاد ألريعي لأغلب البلدان العربية بالاعتماد على الصادرات النفطية, ولم يحد من هذه الهيمنة سوى تراجع أسعار النفط في السوق العالمية كما حدث عام 2016, حيث استدعى هذا الانخفاض التفكير في بدائل لبنية اقتصاد معظم البلدان العربية.

6.2.   التنمية المستديمة في الفكر الإسلامي

       الإسلام كبقية الأديان السماوية يدعو لإرساء قيم المحبة والصلاح والفلاح لبني البشر. قد تكون القيم التي  يدعونا إليها الإسلام وكما الديانات اليهودية والمسيحية واضحة ومباشرة المفهوم , أو أن بالإمكان تعقبها والوقوف عندها , سواء من خلال الكتب المقدسة وهنا القرآن , أو من خلال أحاديث الرسول الكريم محمد(ص) , بل وحتى من  سيرته المشرفة. ولعل بالإمكان الوقوف على بعض من الشذرات ما يعنينا في موضوعنا:-

من قوله تعالى:-

(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ )....... (الأعراف 74).

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ..........( الروم ,41).

ومن أحاديث الرسول الكريم (ص):-

·      من دعا إلى خير فله مثل أجر فاعله.

·      رحم الله إمرءاً عمل عملاً صالحاً فأتقنه.

·      كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

·      خذ من أموالهم صدقة تزكيهم.

       ومن هذه الشذرات وسواها يمكن أن نقف على مبادئ أساسية أكد عليها الفكر الإسلامي وعدّها ثوابت لبناء مجتمع ينعم فيه الجميع بالأمان وخيرات الدنيا والآخرة وأهمها:-

أولاً:-حض الإسلام على العمل وأشاد بالعاملين وشجع على زيادة الثروة وتعمير الأرض.

ثانياً:-ضمان العدل والمساواة بين الناس, مع حفظ حقهم في الجد والاجتهاد وتعزيز روح التكافل الطوعي والإجباري بين الأغنياء والفقراء.

ثالثاً:-المحافظة على مصالح المجتمع العليا ومنها البيئة والثغور والقيم والقوانين واعتبر الحفاظ عليها واجباً مقدساًُ.

رابعاً:-الانسجام بين مصلحة الفرد والمجتمع وعدم الإخلال بالتوازن بينها .

لعل هذه القيم والثوابت العامة وما يليها من تفصيل تمثل بذات الوقت أسساً ذات مصاديق معتبرة لما ندعوه اليوم بالتنمية المستديمة, وليس أدل على ذلك من التعريف الذي وضعه المؤتمر الإسلامي الأول لوزراء البيئة في أن التنمية المستديمة ومن منظور إسلامي (هي التنمية التي تسعى إلى ضمان جودة الحياة بصفة عامة للإفراد والجماعات من خلال التنمية الاقتصادية , ولكن دون إلحاق إضرار بالبيئة الطبيعية والمشيدة عن طريق ضمان حق الإنسان في الحياة الكريمة, والتنديد بمسؤوليته في أعمار الأرض والحفاظ على المكاسب التنموية من خلال تعزيز التكافل الاجتماعي بين البشر والجنوح إلى السلم والمساهمة في استتباب الأمن والسلام والقضاء على الفقر والبطالة )(منظمة الإسكوا ص ص 2-3).

مصادر الفصل الثاني

أ-القواميس

-

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي  ,ط2, القاموس المحيط, دار إحياء التراث العربية, بيروت,2003.

-

محمد بن أبي بكر الرازي, مختار الصحاح, ط1, دار الكتاب العربي, بيروت, 1967.

ب-الكتب

-

أسامة الخولي , أبعاد التنمية المستدامة , ندوة البيئة والمتطلبات الاقتصادية والدولية, أبو ظبي,, 2002.

-

اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا, الطاقة لإغراض التنمية المستدامة في المنطقة العربية, إطار عمل.

-

باتر محمد علي وردم, العالم ليس للبيع, مخاطر العولمة على التنمية المستدامة, الأهلية للنشر والتوزيع , عمان, 2003.

-

باسل البستاني, جدلية نهج التنمية البشرية المستدامة , منابع التكوين وموانع التمكين, ط1, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, 2009.

-

د. حسن أحمد الشافعي, التنمية المستدامة والمحاسبة والمراجعة البيئية في التربية البدنية الرياضية, ط1, دار الوفاء لدنيا للطباعة والنشر , الإسكندرية, 2012

-

د. ديب كمال, أساسيات التنمية المستدامة, دار الخلدونية للنشر والتوزيع, الجزائر, 2015.

-

زواوية أحلام, دور اقتصاديات الطاقة المتجددة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في الدول المغاربية, دار الوفاء القانونية, دار الوفاء لدنيا للطباعة والنشر , الإسكندرية,2014 .

-

سالم توفيق النجفي, أياد بشير الجلبي, البيئة والتنمية المستدامة, مقاربة اقتصادية معاصرة, مجلة تنمية الرافدين, العدد 25, 2003.

-

د. سالم محمد عبود, التنمية المستدامة والتكاليف البيئية, دار الدكتور  للعلوم, بغداد, 2014.

-

د. عايد عبد الله العصيمي, المسؤولية الاجتماعية نحو التنمية المستدامة , ط1, دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع , بيروت, 2015.

-

د. عثمان محمد غنيم , د. ماجدة أبو زنط, , التنمية المستديمة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها, ط2, دار الصفاء للنشر والتوزيع, عمان , 2014.

-

فراس أحمد الخرجي, الإدارة البيئية , ط1, دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع , عمان, 2007.

-

د. قادري محمد الطاهر, التنمية المستدامة في البلدان العربية بين النظرية والتطبيق, مكتبة الحسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت,2013.

-

محمد عبد الكريم عبد ربه, مقدمة في اقتصاديات البيئة, قسم دراسات البيئة , معهد الدراسات العليا للبحوث, جامعة الإسكندرية, 2003.

-

د. منى جميل سلام, د. مصطفى محمد علي, التنمية المستدامة للمجتمعات المحلية, المكتب الجامعي الحديث, الإسكندرية, 2015.

-

منظمة الأسكوا, المؤتمر الإسلامي, الأول لوزراء البيئة, الإعلان الرسمي للتنمية المستدامة, جدة, 2002.

-

د. نوزاد عبد الرحمن الهيتي, التنمية المستدامة في المنطقة العربية, مجلة العلوم الإنسانية, السنة الثالثة, العدد 25, 2005.

-

يوسف محمد صالح, تجارب بعض الدول العربية في التنمية المستدامة والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة, جامعة الفاتح , ليبيا, المؤتمر الثاني عشر و نيسان 2010.

- Tatyana P Sobbotina, Beyond Economic Growth, An Introduction to Sustainable Development, 2nd.Ed., The World Bank Washington, U.S.A ,2004.

 - UNECE/OECD/Eurost Working Group, Measuring Sustainable Development, United N ation, New York,2008.


                 الفصل الثالث :

أهداف التنمية المستديمة وأبعادها 

الفصل الثالث : أهداف التنمية المستديمة وأبعادها

1.3. العلاقة بين التنمية والتنمية المستديمة

       بقي العالم زمناً طويلاً يبحث في الكيفية التي تفضي إلى إحداث تنمية فاعلة سواء في حياة الناس أو المجتمعات, ولقد كان التأكيد واضحاً على التنمية الاقتصادية أي الجانب الاقتصادي من التنمية باعتباره المدخل نحو المضامين الأخرى, حتى غدت التنمية الاقتصادية رديفاً للتنمية أو دالة عليها. وبسبب التأكيد على هذا الجانب من دون إيلاء جوانب الحياة الأخرى ذات الأهمية, فقد أفرزت تجارب التنمية وتطبيقاتها مشاكل تفاقمت بمرور الزمن, وغدت كوابح يصعب تجاوزها,  فضلاً عن كونها أضرّت بنوعية حياة الإنسان, ولعل أبرزها هو التلوث البيئي الناتج عن النمو الصناعي وزيادة كميات انبعاث الغازات إلى الجو.

         وبنتيجة إدراك الإنسان المتزايد إلى خطورة التهديدات التي تنتج عن اقتصار مفهوم التنمية على النمو الاقتصادي, فقد اتجهت الأنظار نحو التنمية المستديمة باعتبارها تطويراً أولاً ثم بديلاً أكثر نجاعة لمفهوم التنمية.

       وفي إطار إدراك جوانب الخلل التي أحدثتها التنمية بمفهومها السابق والبحث عن الحلول أدرك الباحثون وبشكل متزايد أهمية شمول التنمية المستديمة مضامين وأبعاد تتعدى تحسين البيئة نحو تحسين إحساس الإنسان بالرفاهية وتمتعه بخيرات الطبيعة ولكن من دون إسراف, ومحافظاً على حقوق الآخرين في تلك الثروات باعتبارها ملك للبشرية, وباعتبار الإنسان معمراً للأرض وليس مخرباً لها.  

       وبهذا يمكن الإشارة إلى عدة نقاط تتميز بها التنمية المستديمة عن التنمية بمفهومها الكلاسيكي وهي:-

أولاً:- تتميز التنمية المستديمة بالشمول , فهي تُعنى بجوانب متعددة من حياة الإنسان ولا تقتصر على نمو اقتصاده ودخله.

ثانياً:-البعد العالميGlobal  للتنمية المستدامة, والمشاركة العالمية في صنعها والتمتع بثمارها, ومن المتعذر تحقيق نجاحات هامة فيها على الصعيد المحلي والعمل المنفرد.

ثالثاً:-دخول البعد البيئي بقوة في مضامين التنمية المستديمة, وعدّ عنصراً أساسياً من عناصرها , فيما أضرت به كثيراً مجهودات التنمية الكلاسيكية .

رابعاً:-إن التنمية المستديمة تفتح الباب أمام المشاركة الجماعية والجماهيرية وتنظيمات المجتمع المدني والمبادرات الفردية لتفعيل آلياتها ووضع خططها وتنفيذ تلك الخطط, فيما أفرزت التنمية في العديد من البلدان النامية تجارب قوّضت الديمقراطية وكرّست الأنظمة الشمولية.

2.3. فلسفة التنمية المستديمة

        تطور مفهوم التنمية المستديمة من خلال مخاض من المعاناة بالنسبة للشعوب, وسلسلة من الاحباطات التي عاشتها المجتمعات بنتيجة ما تخلل التطور الصناعي وخاصة تحت ظلال الفلسفة الرأسمالية . واقترن البحث عن حلول للمشاكل القائمة بالبحث النظري الفكري المستلهم للآفاق المستقبلية التي تناغم مخيلة المخططين وصنّاع القرار.

        وبهذا أُقيم الصرح الفلسفي للتنمية المستديمة على قواعد راسخة من الإحساس بوقع الألم والمشاكل مع الحلم برسم الغد الذي يرقى بحياة الناس الحاليين والأجيال القادمة .

      ومن الممكن الوقوف عند عدد من الثوابت التي مثلت أسساً فلسفية فكرية للتنمية المستديمة وهي:-

أولاً:-إن من حق الإنسان التمتع بثروات الطبيعة , والعمل على تحسين مستويات حياته وإحساسه بالرفاه,  بما يتضمن ذلك  من القضاء على الفقر والأمية, وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل وسواها بما فيها الجوانب المادية والروحية للإنسان .

ثانياً:-إن التمتع الفردي والجمعي هذا يجب أن لا يتقاطع مع مصلحة المجتمع والآخرين سواء في الجيل الحالي أو المستقبلي أو حتى في أرجاء المعمورة, أي إن الاستمتاع بالموارد والثروات يجب أن لا يذهب إلى حد الاستنزاف لها, أو التسبب في أضرار وخيمة للمجتمعات الأخرى أو حتى للبيئة.

ثالثاً:-تقوم فلسفة التنمية المستديمة على فكرةٍ إلاهية قديمة جديدة يتوقف عليها صلاح المجتمعات وبقاءها وهي العدل والمساواة بين بني البشر أقاليم ومجتمعات وطبقات وأجيال.

رابعاً:-ومثلما أن للجميع الحق في التمتع بثمار التنمية, فإن من حقهم أيضاً المشاركة في رسم صورة الغد, وعليهم واجب الحفاظ عليها أيضاً وحمايتها من التراجع أو الإضرار . وكلما كانت المشاركة أوسع كلما كانت التنمية أكثر كفاءة وتأثيراً نحو الإيجاب في حياة الشعوب.

خامساً:-إن التنمية المستديمة مفهوم واسع المحتوى لا يقتصر على البعد الاقتصادي, فالإنسان مبتغاها وهدفها ووسيلتها, ومن المهم أن تتضمن أبعاداً تشمل جوانب حياة الإنسان بتعددها.

 

تحميل الكتاب




                  mega.nz/file








 





قراءة وتحميل الكتاب

 



    drive.google






 





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-